مقابلة مع قائد حزب حرّاس الارز السيد اتيان صقر (أبو أرز) اجراها معه مسؤول لجنة الاعلام في المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية الياس بجاني في ٢ ايلول ٢٠٠٣
السيد أبو أرز، يسعدنا من المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية أن نجري معكم هذا اللقاء الصحفي الشامل، والذي نهدف من خلاله إيصال طروحاتكم كقائد لحزب حرّاس الأرز إلى اللبنانيين في لبنان المحتل وفي كافة بلاد الانتشار. وقبل أن نبدأ بطرح الأسئلة نطلب منكم تعريف قرائنا بأبو أرز الإنسان: أين ولد، ثقافته، عمره، وضعه العائلي، أسباب انخراطه في العمل السياسي، هواياته، والخ.
أبو أرز:
لا أهوى الكلام عن نفسي، لذلك اكتفي بالقول أنني من مواليد عين ابل عام ١٩٣٧، أنهيت دراستي الثانوية في العام ١٩٥٧، وانخرطت لفترة وجيزة في سلك الأمن العام منتقلاً بين عدة مراكز حدودية كان آخرها في البقاع حيث كلّفت بملاحقة أفراد الحزب القومي السوري اثر الانقلاب الفاشل الذي قاموا به في بداية العام 1961، ثم انتقلت إلى القصر الجمهوري مكلفاً بمهمة خاصة في أواخر عهد الرئيس فؤاد شهاب حتى بداية عهد الرئيس فرنجية، وعاينت خلال هذه الفترة رداءة الحالة السياسية في لبنان على أعلى المستويات... وبعدها استقلت وانتقلت إلى العمل الحر وأسست شركة للتأمين في العام ١٩٧٢، ولكن الأحداث التي نشبت بين الجيش والمنظمات الفلسطينية آنذاك دفعتني إلى التوفيق بين عملي المهني وعملي الوطني، فساهمت مع الأستاذ سعيد عقل في تأسيس حزب سياسي أطلقنا عليه اسم " حزب التجدد اللبناني" ضم عدداً من الشخصيات والفاعليات من مختلف الطوائف والمناطق اللبنانية. وفي الوقت عينه، وعندما انطلقت مؤامرة تحييد الجيش تمهيداً لتفتيته، شرعتُ إلى شراء الأسلحة والذخائر من السوق السوداء، وتجنيد الشباب وتدريبهم في مخيماتٍ خاصة، إلى أن انفجرت الحرب في ١٣ نيسان ١٩٧٥، عندها نزلنا إلى ساحة القتال تحت اسم حرّاس الأرز جنباً إلى جنب مع الكتائب والأحرار والتنظيم وغيرهم، واتخذنا مواقع قتالية في الأشرفية وسن الفيل والأسواق التجارية، ثم رحنا نتوسع وننتشر إلى أن أصبحنا موجودين في مختلف القرى والبلدات الواقعة في المناطق الشرقية على شكل مراكز ثابتة، وفي عددٍ من القرى والبلدات الواقعة تحت الاحتلال السوري - الفلسطيني في المنطقة الغربية والجنوب والبقاع والشمال... وبعد الانتصار الساحق الذي حققناه في معسكر تل الزعتر والنبعة وجسر الباشا، توافد علينا الشباب من كل حدب وصوب، فرُحنا نحتفل بتخريج آلاف المنضوين الجدد ونوزع السلاح والعتاد عليهم مضافاً إلى كتب العقيدة ومنشوراتها عملاً بشعارنا المأثور: تزوجت الكلمة على البندقية فولد حرّاس الأرز.
المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية:
من هم حرّاس الأرز؟ وما هي أهدافهم؟
أبو أرز:
وُلد حرّاس الأرز كفكرة في بداية السبعينات مع تأسيس حزب التجدد اللبناني كما سبق وذكرنا، ثم تأسس كحزب في بداية الأحداث أي في ١٣ نيسان ١٩٧٥، واستلهم عقيدته من فكر الأستاذ سعيد عقل الذي نعتبره بمثابة الأب الروحي، وقمت أنا بتأسيسه وتنظيم كوادره وتحديد مبادئه وتدوين عقيدته وقيادته في مختلف الجبهات القتالية والسياسية مع مجموعة من شباب الساعة الأولى، وفي العام ١٩٧٦ ساهمت في تأسيس القوات اللبنانية بالاشتراك مع الشيخ بشير الجميل وداني شمعون والدكتور فؤاد الشمالي، واتخذنا مبنى قيادة حرّاس الأرز مقرّاً لمجلس قيادة القوات اللبنانية لعدة اشهر إلى أن انتقلت إلى مكتب الشيخ بشير في الأشرفية ومن ثم إلى مبنى الكرنتينا.
أما أهداف حرّاس الأرز فنختصرها بأننا نؤمن بالله والإنسان ولبنان وهذا الثالوث الأيديولوجي قائم على صفات الكونية الأساسية الثلاث وهي: المحبة والمعرفة والحرية. وعلى الصعيد السياسي نحن حركة علمانية تؤمن بالقومية اللبنانية من دون تمييز بين طائفة وأخرى، وبان الشعب اللبناني بكل فئاته المتواجدة على الجغرافية اللبنانية ذات المساحة ١٠٤٥٢ كلم مربع على الأقل، تشكل أمة لبنانية واحدة عمرها سبعة آلاف سنة وجوداً إنسانياً وحضارياً متواصلاً، وتحمل تراثاً عظيماً ساهم في نشوء الحضارة العالمية وتعميمها بدءً بالحضارة اليونانية ومنها إلى الحضارة الرومانية وبعدها إلى الحضارة الغربية... وللتصويب نقول بان حضارة الغرب تعود جذورها إلى الحضارة اللبنانية - الفينيقية وليس إلى الحضارة اليونانية كما هو شائع اليوم، ولابد من تصحيح هذا الخطأ التاريخي الكبير فور عودة لبنان إلى عافيته السياسية وعندما يصبح بين أيادي النخبة لا الحثالة.
ومن أهداف الحزب أيضاً طرد جميع الغرباء والطارئين الموجودين على أرضه وعلى رأسهم اللاجئين الفلسطينيين والغزاة السوريين وغيرهم، والإبقاء فقط على نسبة خمسة بالمئة من الغرباء الذين تحتاجهم المصلحة اللبنانية... ثم إقامة الدولة العلمانية البعيدة عن المحاصصة الطائفية، ثم تعميم التعليم المجاني حتى التخصص ومحو الأمية، ثم إنشاء مراكز للبحوث العلمية بعد استقطاب الأدمغة اللبنانية المبعثرة في عالم الانتشار اللبناني، ثم بناء جيش محترف يؤمن بالله ولبنان قادر على ردع كل المتطاولين مهما علا شأنهم، وتنظيم الانتشار اللبناني لكي يصبح فاعلاً في المحافل الدولية وقادراً على حماية لبنان وقضيته في عواصم القرار... ثم تأمين التطبيب المجاني لجميع اللبنانيين إضافة إلى تأمين الشيخوخة للمسنين، ثم اعتماد اللغة اللبنانية لغة الدولة الرسمية، وقبل كل ذلك سحب لبنان من جامعة الدول العربية واستعادة هويته الأصلية غير المنعوتة، وأخيراً إبرام معاهدة سلام مع جيرانه من إسرائيل إلى الدول العربية المتاخمة على أساس المصلحة المتبادلة ومبدأ الند للند.
أما نظام الحكم فيجب أن يكون حرّاً ديموقراطياً رئاسياً مطابقاً لأحكام دستور العام ١٩٢٦ وإلغاء نظام الطائف باعتباره نظاماً لقيطاً ولد من أبوين غير لبنانيين.
المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية:
كيف يرى أبو أرز الوضع القائم حالياً في لبنان، وما هي علاقته بالنظام المنصب فيه منذ العام ١٩٩٠؟
أبو أرز:
الوضع القائم في لبنان حالياً هو الأسوأ في تاريخه الحديث، والخراب حاصل على الأصعدة السياسية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، إضافة إلى الفساد المنتشر كالسرطان في جسم الدولة ومؤسساتها، ناهيك بالخزينة الخاوية والعجز الذي وصل إلى حدود ال 34 ملياراً من الدولارات، أما البنى التحتية فهي مهترئة
تماماً كما الدولة، والخدمات الحياتية معدومة كالكهرباء والماء والهاتف والطرقات وغيرها، والحالة المعيشية بالويل، والبطالة مزدهرة والضرائب إلى التصاعد، وهجرة الشباب أصبحت نزيفاً يهدد بتفريغ البلد، والأراضي اللبنانية تباع بالجملة للرعايا العرب، والعمال السوريون يملأون البلد ويزاحمون اللبنانيين على لقمة العيش، والمنظمات الإرهابية والأصولية تحوّلت إلى دويلات في قلب الدولة برعاية الاحتلال السوري وإشرافه. الخ ولا نبالغ إذا قلنا إن حكم الطائف كناية عن عصابة سياسية امتهنت الخيانة والحقارة واللصوصية وبيع الأوطان.
أما علاقتي بهذا الحكم فتشبه الديّان الذي ينتظر ساعة الصفر للانقضاض على هذه العصابة لمحاسبتها بما يناسب جرائمها الوطنية الكبيرة، ونرجو أن تكون تلك الساعة قريبة، لأن المواطن اللبناني لم يعد يتحمل القهر والذل والجوع والفقر اكثر من ذلك.
المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية:
هل لبنان حالياً دولة سيدة حرة ومستقلة؟ وان كان جوابكم لا، ما هي الأسباب؟
أبو أرز:
لا لزوم لهذا السؤال لأن الكل يعلم، وحتى عملاء سوريا يعلمون أن لبنان اصبح بلداً سائباً، لا حرية فيه ولا ديموقراطية إلا بالشكل، وشريعة الغاب هي السائدة، والسبب الرئيسي في ذلك يعود إلى الاحتلال السوري الذي نجح على مرّ السنين في عملية سورنة لبنان وتحويله إلى نظام بوليسي وصحراوي على شاكلة النظام السوري وباقي الأنظمة العربية الصحراوية، ونجح كذلك في عملية تنصيب حثالة السياسيين في مراكز القرار.
المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية:
يقول تنظيمكم أن الخطر السوري على لبنان هو اكبر من الخطر الإسرائيلي، فما هي أطماع سوريا في لبنان، وكيف تفسرون شعار شعب واحد في بلدين؟
أبو أرز:
الخطر السوري على لبنان عمره من عمر التاريخ، وأطماع سوريا أطماع تاريخية، لذلك رفضت دائماً الاعتراف بكيانه واعتبرته محافظة من محافظاتها، وعلى سبيل التصويب نقول إن ضعف لبنان نابع من قوة سوريا، وقوة لبنان من ضعف سوريا، والعكس ليس صحيحاً، وهذه ثابتة تاريخية... بينما إسرائيل وخلافاً لكل ما يقال ويشاع، لا أطماع لها في لبنان كما يدعي عملاء سوريا، والبرهان إنها انسحبت في العام ٢٠٠٠ إلى ما وراء الخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة، ولو كان لها أطماع لبقيت كما هي باقية في الجولان... أما شعار شعب واحد في بلدين، فهو شعار كاذب، لأن الشعب اللبناني بتراثه وعاداته وتقاليده وجغرافيته المميزة هو نقيض الشعب السوري.
المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية:
كثر الحديث عن مزارع شبعا بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني سنة ٢٠٠٠، في حين يتذرع حزب الله باحتلالها من قبل إسرائيل لاستمرار بما يسميه المقاومة، فما هي الحقيقة حول هذا الأمر حاضراً وماضياً؟
أبو أرز:
مزارع شبعا هي كذبة سورية اخترعتها وسوّقتها لربط نزاعها مع إسرائيل من خلال فئة لبنانية عميلة، ولربط المسارين اللبناني والسوري، وحل قضية الجولان على ظهر قضية لبنان.
المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية:
يتساءل الكثيرون عن الأسباب التي دفعت بإسرائيل للانسحاب من الجنوب سنة ٢٠٠٠ بالطريقة التي تمت يومها دون التنسيق مع جيش لبنان الجنوبي طبقاً لاتفاق مع حزب الله وإيران وسوريا بإشراف دولي رعاه المبعوث الأوروبي تري لارسون. كيف يفهم أبو أرز هذا الأمر وهو المطالب بإقامة علاقات مع إسرائيل والتحالف معها؟
أبو أرز:
انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان في العام ٢٠٠٠ لسببين رئيسيين، الأول، عدم وجود أطماع سياسية في الأراضي والمياه اللبنانية كما سبق وأشرنا، والثاني بسبب الضغط الشعبي الهائل داخل إسرائيل الذي راح يطالب حكومته بانسحاب جيشها من لبنان، أضف إلى ذلك الوعود الكاذبة التي قطعها حافظ الأسد لإسرائيل عبر الإدارة الأميركية بأنه عازم على إقامة معاهدة سلام معها إذا ما انسحبت من لبنان، وذلك على خلفيتين: الأولى، الثأر لهزيمته العسكرية التي مُني بها في العام ١٩٨٢، والثانية، الاستفراد بلبنان من دون شريك، وهذا ما حصل... واعتقد أن إسرائيل ارتكبت خطأ سياسياً فادحاً بانسحابها على هذا النحو المعيب، إذ كان عليها أن تعمل على إبقاء جيش لبنان الجنوبي وتقويته بدلاً من إجباره على الانسحاب معها، وتفكيكه بهذه الطريقة المشينة، واعتقد أنها الآن تدفع ضريبة هذا الخطأ المميت عبر الانتفاضة الفلسطينية التي قامت على اثر ذلك الانسحاب والتي جرّت إسرائيل إلى حربٍ استنزافية خطيرة، وعبر تقوية ما يسمّى بحزب الله الذي صنعت منه بطلاً وبات يقض مضجعها كل يوم وعلى مدار الساعة.
المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية:
من المعروف أن تنظيمكم لا يرى في حزب الله حركة مقاومة، بل مجموعة إرهابية إيرانية سورية، فهل بالإمكان إعطاء قرائنا صورة واضحة عن هذا الحزب الأصولي؟
أبو أرز:
ما يسمّى بحزب الله هو حركة خطيرة على مستقبل لبنان وبخاصة الشق الاجتماعي منه الذي يسمح له بالتغلغل والانتشار داخل المجتمع اللبناني، وينشر عقيدته الداعية إلى إقامة الجمهورية الإسلامية على المدى الطويل... أما الحرب التي خاضها في الجنوب فهي باعتقادي حرب عبثية لان الاحتلال الحقيقي لم يكن هناك بل كان في بيروت والجبل والبقاع والشمال، وبأسف أقول إن آلاف الشباب الذين قضوا نحبهم في الجنوب هم ضحايا وليسوا شهداء.
المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية:
هل يعتقد أبو أرز أن قانون "محاسبة سوريا واستعادة استقلال لبنان" الذي بات يحظى بأكثرية كبيرة في مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين هو خشبة الخلاص للبنان من الاحتلال السوري؟
أبو أرز:
قانون محاسبة سوريا هو وسيلة من الوسائل التي نستعملها في حربنا السياسية والديبلوماسية ضد الاحتلال السوري من خلال القوى اللبنانية الهائلة الموجودة في عالم الانتشار اللبناني وبخاصة في الولايات المتحدة الأميركية. غير أن المؤسف هو كون الإدارة الأميركية ما زالت منذ الستينات تحت تأثير النفوذ السعودي بالرغم من حوادث 11 أيلول، وهذا ما يعيق تغيير السياسة الأميركية المعادية للبنان وبالتالي يطيل عمر الاحتلال السوري. علماً أن مؤامرة إلغاء الكيان اللبناني هي مؤامرة سعودية بتنفيذ سوري وبإشراف أميركي، أي أن النظام السعودي هو رأس الأفعى في حوك تلك المؤامرة، والنظام السوري هو رأس الحربة في تنفيذها.
المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية:
لقد صدر عن القضاء اللبناني، قضاء حكم الطائف، حكم جائر بحق شخصكم، هل بالإمكان تسليط الضوء على خلفيات هذا الحكم والغاية من صدوره؟
أبو أرز:
من الطبيعي أن تصدر أحكام قضائية بحقي لأنني رفضت الاحتلال السوري منذ قيامه في العام ١٩٧٦ بينما كل الأطراف اللبنانية وافقت عليه وخاصة الجبهة اللبنانية، وأعلنت يومذاك حركة الاعتصام ضد ذلك الاحتلال، وانتقلت مع قيادتي وعناصري إلى جبال العاقورة. واستمريت في مناهضة الاحتلال السوري حتى العام ١٩٩٠حيث انتقلت إلى منطقة جزين بعد سقوط المنطقة الشرقية لمتابعة النضال ضدّه وضد إفرازاته الأصولية والإرهابية... أما الأحكام القضائية فهي صادرة بحقي من دمشق عبر القضاء اللبناني الذي تحول إلى أداةٍ سياسية في يدها تحركها ضد اخصامها، لذلك أنا اعتبر أن تلك الأحكام هي في مثابة أوسمة على صدري.
المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية:
ما هي الأنشطة التي يقوم بها تنظيم حرّاس الأرز حالياً لجهة تحرير لبنان من الاحتلال السوري؟
أبو أرز:
بعد انسحابنا من الجنوب في أيار من العام ٢٠٠٠ اقتصر عملنا على النشاط السياسي والديبلوماسي الهادف دائماً إلى تحرير لبنان من الهيمنة السورية وعملائه البلديين المتمثلين بتلك الزمرة من أقزام السياسة الذين لم يكتفوا بتغطية الاحتلال والدفاع عنه، بل باعوا لبنان بأهله وشعبه ومؤسساته إلى سوريا، ثم حولوا لبنان إلى "مسرق خانة" للنهب والاحتيال والسرقة والسمسرة والإثراء غير المشروع، والى مزرعة يتوارثها الأبناء عن الآباء، والى شبه دولة هجرتها الحرية وحكمتها الديكتاتورية المقنّعة بعد أن جوّفت الديموقراطية وأفرغتها من محتواها.
المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية:
لقد صدر مؤخراُ باللغة الإنكليزية كتاب عن شخصكم عنوانه " أبو أرز ضمير لبنان"، نرجو إيجاز محتواه، من كتبه وكيف يمكن الحصول عليه؟
أبو أرز:
مؤلف الكتاب The Conscience of Lebanon هو الدكتور Nisan أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس ومتخصص في سياسة الشرق الأوسط ولبنان، أما الناشر فهي مؤسسة Frank Cass التي تعد من أهم دور النشر في إنكلترا، ويمكن الحصول عليه حالياً عبر الانترنيت على الموقع التالي www.frankcass.com ولاحقاً في المكتبات العالمية، والكتاب يروي حياة أبو أرز وتاريخه النضالي منذ الستينات وحتى العام ٢٠٠٠ مع المحطات الرئيسية والمواقف البارزة في ذلك التاريخ، إضافة إلى بعض الفصول عن تاريخ لبنان وصراعاته الداخلية وتركيبته السياسية.
المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية:
تتحدثون كثيراً في تنظيمكم عن القومية اللبنانية والتميز اللبناني، فهل بالإمكان شرح مفهومكم لهذه القومية والتركيز على سبب إنكاركم لوجود قومية عربية؟
أبو أرز:
استناداً إلى التاريخ وعلم الجيوبوليتيك نقول بان لبنان هو لبناني منذ اقدم العصور ولا يقبل أي نعت يأتيه من الخارج، وان كل النعوت التي ألحقت به منذ الاحتلال العثماني مروراً بالاحتلال الفرنسي وانتهاءً بالاحتلال السوري - العربي، هي نعوتٌ مغلوطة ليس لها أي أساس علمي، ونقول بان الشعب اللبناني بجميع فئاته وطوائفه يشكل أمة واحدة قائمة بحد ذاتها ولا علاقة لها بما يسمّى بالأمة العربية، وان هذه الأخيرة بدعة لا ترتكز إلى أي أساس تاريخي وجغرافي، لأن ما يسمّى بالعالم العربي هو مجموعة قوميات واثنيات متناقضة ومتنافرة لا يمكنها أن تشكل قومية واحدة، لذلك فشلت كل محاولات الوحدة بين دولةٍ عربية وأخرى فشلاً ذريعاً منذ أيام عبد الناصر في العام ۱۹٥٨ وحتى أيامنا هذه.
ولو كان اللبنانيون والسوريون شعباً واحداً كما يكذبون لكانا توحدا بشكل تلقائي من دون حاجة إلى كل تلك الجيوش والدبابات والصواريخ والمعارك الطاحنة التي دارت رحاها بيننا وبينهم والدماء الغزيرة التي سالت في مختلف المناطق اللبنانية... وعليه نجزم أن العروبة هي كذبة العصر الأولى، ولا علاقة للبنان بهذه الكذبة خاصة بعد أن تناوب العرب على تدميره مباشرة و غير مباشرة وكل على طريقته.
أما بالنسبة إلى التمايز بين لبنان وسوريا فهو فاقع، إذ يكفي أن تلقي نظرة على سلسلتي الجبال الشرقية والغربية الممتدتين من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب من دون انقطاع لتدرك مدى الانفصال الجغرافي الطبيعي بين البلدين، زد على ذلك أن لبنان هو كتلة جبلية بينما سوريا هي صحراء وشتان ما بين الجبل والصحراء، ولا نغالي إذا قلنا إن حرب سوريا على لبنان هي حرب تاريخية نابعة من حقد الصحراء على الجبل.
المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية:
كيف يصف أبو أرز علاقته بكل من غبطة البطريرك صفير، العماد عون، الرئيس أمين الجميل، العميد كارلوس اده، القوات اللبنانية ولقاء قرنة شهوان؟
أبو أرز:
إن مقياس علاقتي مع الناس هي القضية اللبنانية بكل ما تحتويه من قداسة، وبقدر ما هم قريبون منها يكونوا قريبين مني، وبقدر ما هم بعيدون عنها يكونوا بعيدين عني. لذلك لا اهتم كثيراً لعلاقتي الشخصية مع الناس بل لعلاقتي الوطنية معهم، ولا ارغب أن أزج نفسي في مناكفات شخصية مع أحد أو في سجالات عقيمة تبعدني عن القضية وتلهيني عنها. وكل ما أقوله إن معظم من يسمّون أنفسهم معارضة هم بعيدون عن المعارضة الحقيقية، لأن مواقفهم رمادية وأنا اكره المواقف الرمادية، وأخرى مائعة وان اكره المواقف المائعة خصوصاً عندما يسمونها اعتدالاً، لأن الاعتدال أمام الحقيقة هرطقة مكشوفة، إما أن تكون معها أو ضدها، ولا مجال للوقوف في الوسط، وأنا اكره الوقوف في الوسط عملاً بما جاء في سفر رؤيا القديس يوحنا: (الاصحاح الثالث: ١٦) "هكذا لأتك فاترٌ ولستَ بارداً ولا حاراً أنا مُزمعٌ أن أتقيأَكَ من فمي".
وهنا اسأل كيف يمكن أن تكون معارضاً ومؤيداً للاحتلال السوري في الوقت عينه، أو اقله محايداً؟ وكيف يمكن أن تكون معارضاً ومؤيداً لاتفاق الطائف وإفرازاته السورية؟ وكيف يمكن أن تكون معارضاً وتشترك في انتخاباتٍ ينظمها ويشرف عليها حكم الطائف ومن ورائه الاحتلال السوري؟
وبكل تواضع أقول إن نهج حرّاس الأرز السياسي لم يتغير منذ العام ١٩٧٥ وحتى الساعة ولن يتغير في المستقبل، وهو يمثل المعارضة الصحيحة التي لا تقبل المساومة، بمعنى آخر قلنا منذ العام ١٩٧٦ إننا ضد الاحتلال السوري بجميع وجوهه وأشكاله، ونرفض عبارة "الوجود السوري" التي يستعملها معظم أركان المعارضة، ونرفض استعمال عبارة إعادة الانتشار الشائعة في أوساط المعارضة لأتها لا تعني شيئاً بالمفهوم السياسي، بل نستعمل عبارة الانسحاب الكامل للجيش السوري، وإزالة الاحتلال السوري مع كل مخلفاته الأمنية والسياسية وغيرها… كما نرفض عبارة "إعادة الانتشار مع إقامة احسن العلاقات مع سوريا، لأن هذا الربط هو دليل مراوغة ومسايرة وأنا اكره المراوغة خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالمصلحة اللبنانية العليا، وهذا أيضاً دليل اللعب على الكلام أو الرقص على الحبال، واعتقد أن هذا الأسلوب السياسي ساهم كثيراً في إيصال البلد إلى هذه الحالة المزرية، وافضل دائماً اعتماد قول المسيح: فليكن كلامكم نعم، نعم ولا، لا، وما زاد عن ذلك فهو من الشرير. واعتقد أيضاً أن قوى الشر سيطرت على الحياة السياسية في لبنان لأننا اعتمدنا أنصاف الكلام، وأنصاف الحقيقة، وأنصاف المواقف، وأنصاف الحلول، واشد ما اكره أنصاف المواقف وأنصاف الحلول...
لذلك قررنا منذ العام ١٩٩٠ عدم الاعتراف بنظام الطائف ولا التعامل معه لا من قريب ولا من بعيد باعتباره امتداداً للاحتلال السوري. ورفضنا الاشتراك بالانتخابات الصورية التي جرت في العام ١٩٩٢ و١٩٩٦ و٢٠٠٠ لا ترشيحاً ولا تصويتاً، ورفضنا الاعتراف بإفرازات هذه الانتخابات أي بما يسمى وزراء الطائف ونوابه وباقي المؤسسات المتفرعة عنها، ولا زلنا نعترف بشرعية العماد ميشال عون كرئيسٍ مؤقت للحكومة اللبنانية بالاستناد إلى الدستور اللبناني. وعندما يتهمنا بعض "المعتدلين" إننا متطرفون نجيبهم : إذا كان الوقوف إلى جانب الحقيقة بصورة مطلقة والجهر بها يعني تطرفاً فنحن بكل اعتزاز متطرفون... وإذا كان الوقوف جزئياً إلى جانب الحقيقة والجهر بها تلميحاً يعني اعتدالاً فنحن بكل اعتزاز لسنا معتدلين. ولقفل هذا الموضوع إن حالة " الخصي السياسي" السائدة حالياً هي ظاهرة مرضية لا بد أن تنتهي في لبنان لكي تستقيم الأمور.
المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية:
كيف يرى أبو أرز مستقبل لبنان، أي لبنان يريد؟
أبو أرز:
من منطلق أن لبنان بلد القداسة منذ اقدم العصور وقد شهدت له الكتب السماوية وذكره العهد القديم بالتبجيل عشرات المرات ومن منطلق أن لبنان بلد القديسين وقد بدءوا يظهرون على أرضه في موازاة الوسخ السياسي القائم وهي ظاهرة فريدة وملفتة في هذه الأيام القاحلة، وبدأت الكنيسة تُطوّبهم الواحد تلو الآخر. ومن منطلق أن قوى الخير ما زالت موجودة بغزارة بالرغم من كل العهر السياسي الممارس. ومن منطلق أن القوى الحيّة ما زالت فاعلة ومتحرّكة في لبنان وعالم الانتشار، ومؤمنة بالقضية وقدسيتها. ومن منطلق أن دم الشهداء ما زالت تصرخ في قبورها، وان تضحيات المعاقين والمناضلين الشرفاء التي قُدمت على مذبح لبنان لن تذهب هدراً. ومن منطلق أن لبنان قاوم الموت طيلة ثلاثة عقود من الزمن ولم يمت ولن يموت كما توقع له الأعداء. ومن منطلق أن الحق لا يموت ووراؤه مطالب... ومن تلك المنطلقات نقول بان لبنان سينبعث حياً من رماده تماماً كطير الفينيق، وسيعود إلى التحليق مجدداً حاملاً رسالته التاريخية القائمة على نشر السلام والمحبة والمعرفة إلى أصقاع الدنيا الأربعة. إنها مسألة وقت، ولعبة العض على الأصابع ولن نقول آخ أولاً، بل سنستمر في تنكّب القضية وحمل الصليب حتى انتهاء درب الجلجلة وانطلاق ساعة القيامة.
المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية:
ماذا يريد أن يقول أبو أرز للمغتربين اللبنانيين، وهل هناك أي شيء آخر يريد التحدث فيه؟
أبو أرز:
لا احب كلمة مغتربين ولا استعمل هذه التسمية، بل افضل عبارة عالم الانتشار اللبناني، أو العالم اللبناني كما نسميه في عقيدتنا، لأنه عالم قائم بحد ذاته نسبة لعدده الهائل الذي يجاوز ال 15 مليوناً، ونسبة لمكانة الجاليات اللبنانية في الدول التي حلّت فيها والمراكز العالية التي تبّوءَتها، ونسبة للعطاءات الحضارية المتنوعة التي ساهم هؤلاء اللبنانيون في نشرها في جميع الميادين وبخاصة في مراكز البحوث العلمية...
لهؤلاء اللبنانيين أقول توحّدوا لان الانقسام أوصلنا إلى حالة الموت التي يعيشها لبنان حالياً. استفيدوا من أخطاء الماضي ولا تقعوا في الخطأ عينهِ مرتين. احسنوا اختيار قياداتكم وحاسبوهم إن هم أخطأوا. دلّوا على العيب ولا تسايروه. تابعوا مسيرة النضال من دون يأس أو تعب أو تذمر. آمنوا بالقضية لأنها مقدسة. وآمنوا بلبنان لأنه وطن الله على الأرض.
والى اللقاء في بيروت.